كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب}.
هكذا. من ذلك العرض التافه الرخيص! أسورة من ذهب تصدق رسالة رسول! أسورة من ذهب تساوي أكثر من الآيات المعجزة التي أيد الله بها رسوله الكريم! أم لعله كان يقصد من إلقاء أسورة الذهب تتويجه بالملك، إذ كانت هذه عادتهم، فيكون الرسول ذا ملك وذا سلطان؟
{أو جاء معه الملائكة مقترنين}.
وهو اعتراض آخر له بريق خادع كذلك من جانب آخر، تؤخذ به الجماهير، وترى أنه اعتراض وجيه! وهو اعتراض مكرور، ووجه به أكثر من رسول!
{فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قومًا فاسقين}.
واستخفاف الطغاة للجماهير أمر لا غرابة فيه؛ فهم يعزلون الجماهير أولًا عن كل سبل المعرفة، ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها، ولا يعودوا يبحثون عنها؛ ويلقون في روعهم ما يشاءون من المؤثرات حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثرات المصطنعة. ومن ثم يسهل استخفافهم بعد ذلك، ويلين قيادهم، فيذهبون بهم ذات اليمين وذات الشمال مطمئنين!
ولا يملك الطاغية أن يفعل بالجماهير هذه الفعلة إلا وهم فاسقون لا يستقيمون على طريق، ولا يمسكون بحبل الله، ولا يزنون بميزان الإيمان. فأما المؤمنون فيصعب خداعهم واستخفافهم واللعب بهم كالريشة في مهب الريح. ومن هنا يعلل القرآن استجابة الجماهير لفرعون فيقول:
{فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قومًا فاسقين}.
ثم انتهت مرحلة الابتداء والإنذار والتبصير؛ وعلم الله أن القوم لا يؤمنون؛ وعمت الفتنة فأطاعت الجماهير فرعون الطاغية المتباهي في خيلاء، وعشت عن الآيات البينات والنور؛ فحقت كلمة الله وتحقق النذير:
{فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفًا ومثلًا للآخرين}.
يتحدث الله سبحانه عن نفسه في مقام الانتقام والتدمير؛ إظهارًا لغضبه ولجبروته في هذا المقام. فيقول: (فلما آسفونا).. أي أغضبونا أشد الغضب.
{انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين} يعني فرعون وملأه وجنده. وهم الذين غرقوا على إثر موسى وقومه وجعلهم الله سلفًا يتبعه كل خلف ظالم {ومثلًا للآخرين}الذين يجيئون بعدهم، ويعرفون قصتهم، فيعتبرون.
وهكذا تلتقي هذه الحلقة من قصة موسى- عليه السلام- بالحلقة المشابهة لها من قصة العرب في مواجهة رسولهم الكريم. فتثبت الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه؛ وتحذر المشركين المعترضين، وتنذرهم مصيرًا كمصير الأولين.
وتلتقي الحقيقة في عرض القصة، بالتناسق بين الحلقة المعروضة والحال القائمة والغاية من إيرادها في هذه الحال القائمة. وتصبح القصة بهذا أداة للتربية في المنهج الإلهي الحكيم.
ثم ينتقل السياق من هذه الحلقة في قصة موسى، إلى حلقة من قصة عيسى، بمناسبة جدل القوم حول عبادتهم للملائكة وعبادة بعض أهل الكتاب للمسيح.. وذلك في الدرس الأخير.
الوحدة الثالثة:57- 89 الموضوع:عيسى هو عبدالله ورسوله وعذاب المشركين وثواب الموحدين وألوهية الله وحده مقدمة الوحدة.
في هذا الدرس الأخير من السورة يستطرد السياق إلى حكاية أساطيرهم حول عبادة الملائكة؛ ويحكي حادثًا من حوادث الجدل الذي كانوا يزاولونه، وهم يدافعون عن عقائدهم الواهية، لا بقصد الوصول إلى الحق، ولكن مراء ومحالًا!
فلما قيل لهم:إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم. وكان القصد هو أصنامهم التي جعلوها تماثيل للملائكة ثم عبدوها بذاتها. وقيل لهم:إن كل عابد وما يعبد من دون الله في النار. لما قيل لهم هذا ضرب بعضهم المثل بعيسى ابن مريم- وقد عبده المنحرفون من قومه- أهو في النار؟ وكان هذا مجرد جدل ومجرد مراء. ثم قالوا:إذا كان أهل الكتاب يعبدون عيسى وهو بشر فنحن أهدى إذ نعبد الملائكة وهم بنات الله! وكان هذا باطلًا يقوم على باطل.
وبهذه المناسبة يذكر السياق طرفًا من قصة عيسى ابن مريم، يكشف عن حقيقته وحقيقة دعوته، واختلاف قومه من قبله ومن بعده.
ثم يهدد المنحرفين عن سواء العقيدة جميعًا بمجيء الساعة بغتة. وهنا يعرض مشهدًا مطولًا من مشاهد القيامة، يتضمن صفحة من النعيم للمتقين، وصفحة من العذاب الأليم للمجرمين.
وينفي اساطيرهم عن الملائكة، وينزه الله- سبحانه- عما يصفون، ويعرفه لعباده ببعض صفاته؛ وملكيته المطلقة للسماء والأرض والدنيا والآخرة وإليه يرجعون.
ويختم السورة بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصفح عنهم والإعراض ويدعهم ليعلموا ما سيعلمون! وهو تهديد ملفوف يليق بالمجادلين المرائين بعد هذا الإيضاح والتبيين.
الدرس الأول:57- 65 عيسى هو عبد الله ورسوله ونقاش النصارى والمشركين حوله.
{ولما ضرب ابن مريم مثلًا إذا قومك منه يصدون وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلًا بل هم قوم خصمون إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلًا لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين}.
ولما جاء عيسى بالبينات قال:قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه، فاتقوا الله وأطيعون. ان الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم. فاختلف الأحزاب من بينهم، فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم.
{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)}.
ذكر ابن إسحاق في السيرة قال:جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني مع الوليد بن المغيرة في المسجد، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له النضر بن الحارث، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه. ثم تلا عليه وعليهم {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون}.. الآيات.. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عبدالله بن الزبعري التميمي حتى جلس. فقال الوليد بن المغيرة له:والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبدالمطلب وما قعد! وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم. فقال عبدالله بن الزبعري:أما والله لو وجدته لخصمته. سلوا محمدًا أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عزيرًا، والنصارى تعبد المسيح ابن مريم. فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبدالله بن الزبعري ورأوا أنه قد احتج وخاصم. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده. فإنهم إنما يعبدون الشيطان ومن أمرهم بعبادته» فأنزل الله عز وجل: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون}.. أي عيسى وعزير ومن عبد معهما من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله عز وجل، فاتخذهم من بعدهم من أهل الضلالة أربابًا من دون الله، ونزل فيما يذكر من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام، وأنه يعبد من دون الله، وعجب الوليد ومن حضر من حجته وخصومته: {ولما ضرب ابن مريم مثلًا إذا قومك منه يصدون}. أي يصدون عن أمرك بذلك.
وذكر صاحب الكشاف في تفسيره:«لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} امتعضوا من ذلك امتعاضًا شديدًا. فقال عبدالله بن الزبعري:يا محمد. أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال عليه السلام: هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم. فقال:خصمتك ورب الكعبة! ألست تزعم أن عيسى ابن مريم نبي، وتثني عليه خيرًا وعلى أمه؟ وقد علمت أن النصارى يعبدونهما؟ وعزير يعبد؟ والملائكة يعبدون؟ فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم! ففرحوا وضحكوا. وسكت النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} ونزلت هذه الآية».
والمعنى:ولما ضرب عبدالله بن الزبعري عيسى ابن مريم مثلًا، وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة النصارى إياه {إذا قومك}- قريش- من هذا المثل {يصدون} ترتفع لهم جلبة وضجيج، فرحًا وجذلًا وضحكًا بما سمعوا من إسكات رسول الله صلى الله عليه وسلم بجدله، كما يرتفع لغط القوم ولجبهم إذا تعبوا بحجة ثم فتحت عليهم. وأما من قرأ {يصدون} بالضم فمن الصدود. أي من أجل هذا المثل يصدون عن الحق ويعرضون عنه. وقيل:من الصديد وهو الجبة. وأنهما لغتان نحو يعكُف ويعكِف ونظائر لهما.
{وقالوا أآلهتنا خير أم هو} يعنون أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى (وإذا كان عيسى من حصب النار كان أمر آلهتنا هينًا!).
ولم يذكر صاحب الكشاف من أين استقى روايته هذه. وهي تتفق في عمومها مع رواية ابن إسحاق.
ومن كليهما يتضح الالتواء في الجدل، والمراء في المناقشة. ويتضح ما يقرره القرآن عن طبيعة القوم وهو يقول: {بل هم قوم خصمون}.. ذوو لدد في الخصومة ومهارة. فهم يدركون من أول الأمر ما يقصد إليه القرآن الكريم وما يقصد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فيلوونه عن استقامته، ويتلمسون شبهة في عموم اللفظ فيدخلون منها بهذه المماحكات الجدلية، التي يغرم بمثلها كل من عدم الإخلاص، وفقد الاستقامة.
{وَقالوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)}.
يكابر في الحق، ويعمد إلى شبهة في لفظ أو عبارة أو منفذ خلفي للحقيقة! ومن ثم كان نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشديده عن المراء، الذي لا يقصد به وجه الحق، إنما يراد به الغلبة من أي طريق.
قال ابن جرير:حدثنا أبو كريب، حدثنا أحمد بن عبدالرحمن، عن عبادة بن عبادة، عن جعفر، عن القاسم، عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن. فغضب غضبًا شديدًا، حتى كأنما صب على وجهه الخل. ثم قال صلى الله عليه وسلم:«لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض. فإنه ما ضل قوم قط إلا أوتوا الجدل. ثم تلا صلى الله عليه وسلم {ما ضربوه لك إلا جدلًا بل هم قوم خصمون}».
وهناك احتمال في تفسير قوله تعالى: {وقالوا أآلهتنا خير أم هو} يرشح له سياق الآيات في صدد أسطورتهم على الملائكة. وهو أنهم عنوا أن عبادتهم للملائكة خير من عبادة النصارى لعيسى ابن مريم. بما أن الملائكة أقرب في طبيعتهم وأقرب نسبًا- حسب اسطورتهم- من الله سبحانه وتعالى عما يصفون. ويكون التعقيب بقوله تعالى: {ما ضربوه لك إلا جدلًا بل هم قوم خصمون}.
يعني الرد على ابن الزبعري كما سبق. كما يعني أن ضربهم المثل بعبادة النصارى للمسيح باطل. فعمل النصارى ليس حجة لأنه انحراف عن التوحيد. كانحرافهم هم. فلا مجال للمفاضلة بين انحراف وانحراف. فكله ضلال. وقد أشار إلى هذا الوجه بعض المفسرين أيضًا. وهو قريب.
ومن ثم جاء التعقيب بعد هذا:
{إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلًا لبني إسرائيل}.
فليس إلهًا يعبد كما انحرف فريق من النصارى فعبدوه. إنما هو عبد أنعم الله عليه. ولا جريرة له في عبادتهم إياه. فإنما أنعم الله عليه ليكون مثلًا لبني إسرائيل ينظرون إليه ويتأسون به. فنسوا المثل، وضلوا السبيل!
واستطرد إلى أسطورتهم حول الملائكة، يبين لهم أن الملائكة خلق من خلق الله مثلهم. ولو شاء الله لجعل الملائكة يخلفونهم في هذه الأرض، أو لحول بعض الناس إلى ملائكة يخلفونهم في الأرض:
{ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون}.
فمرد الأمر إلى مشيئة الله في الخلق. وما يشاؤه من الخلق يكون. وليس أحد من خلقه يمت إليه بنسب، ولا يتصل به- سبحانه- إلا صلة المخلوق بالخالق، والعبد بالرب، والعابد بالمعبود.
ثم يعود إلى تقرير شيء عن عيسى عليه السلام. يذكرهم بأمر الساعة التي يكذبون بها أو يشكون فيها:
{وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين}.
وقد وردت أحاديث شتى عن نزول عيسى- عليه السلام- إلى الأرض قبيل الساعة وهو ما تشير إليه الآية: {وإنه لعلم للساعة} بمعنى أنه يُعلم بقرب مجيئها، والقراءة الثانية {وأنه لَعَلَم للساعة}بمعنى أمارة وعلامة. وكلاهما قريب من قريب.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها».
{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (62) وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قال قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (64)}.
وعن جابر- رضي الله عنه- قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم:تعال:صل لنا. فيقول:لا. إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله تعالى لهذه الأمة».
وهو غيب من الغيب الذي حدثنا عنه الصادق الأمين وأشار إليه القرآن الكريم، ولا قول فيه لبشر إلا ما جاء من هذين المصدرين الثابتين إلى يوم الدين.
{فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم}.
وكانوا يشكون في الساعة، فالقرآن يدعوهم إلى اليقين. وكانوا يشردون عن الهدى، والقرآن يدعوهم على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اتباعه فإنه يسير بهم في الطريق المستقيم، القاصد الواصل الذي لا يضل سالكوه.
ويبين لهم أن انحرافهم وشرودهم أثر من اتباع الشيطان. والرسول أولى أن يتبعوه:
{ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين}.
والقرآن لا يفتأ يذكر البشر بالمعركة الخالدة بينهم وبين الشيطان منذ أبيهم آدم، ومنذ المعركة الأولى في الجنة. وأغفل الغافلين من يعلم أن له عدوًا يقف له بالمرصاد، عن عمد وقصد، وسابق إنذار وإصرار ثم لا يأخذ حذره ثم يزيد فيصبح تابعًا لهذا العدو الصريح!
وقد أقام الإسلام الإنسان في هذه المعركة الدائمة بينه وبين الشيطان طوال حياته على هذه الأرض؛ ورصد له من الغنيمة إذا هو انتصر ما لا يخطر على قلب بشر، ورصد له من الخسران إذا هو اندحر ما لا يخطر كذلك على قلب بشر. وبذلك حول طاقة القتال فيه إلى هذه المعركة الدائبة؛ التي تجعل من الإنسان إنسانًا، وتجعل له طابعه الخاص بين أنواع الخلائق المتنوعة الطبائع والطباع! والتي تجعل أكبر هدف للإنسان على الأرض أن ينتصر على عدوه الشيطان؛ فينتصر على الشر والخبث والرجس؛ ويثبت في الأرض قوائم الخير والنصح والطهر.